كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حتى اسْتَمَرَّتْ على شَزْرٍ مَريرتُه ** صِدْقُ العزيمةِ لا رثًَّا ولا ضَرَعا

الثالث: أنَّ معناه مارٌّ ذاهب مَنَّوْا أنفسَهم بذلك. الرابع: أنَّ معناه شديدُ المرارة. قال الزمشخري: أي: مُسْتَبْشَعٌ عندنا، مُرٌّ على لَهَواتنا، ولا نَقْدِرُ أَنْ نَسِيْغَه كما لا نَسيغُ المُرَّ المَقِرَ. انتهى. يقال: مَرَّ الشيءُ بنفسِه ومَ‍رَّه غيرُه، فيكون متعديًا ولازِمًا ويقال: أَمَرَّه أيضًا.
الخامس: أنَّ معناه مُشْبِهٌ بعضُه بعضًا، أي: استمرَّتْ أفعالُه على هذا الحالِ. قاله الشيخ، وهو راجِعٌ إلى المعنى الأول، أعني الدوامَ والاطِّرادَ، وكان هو قد حكاه قبل ذلك. وأتى بهذه الجملةِ الشرطيةِ تنبيهًا على أَنَّ حالَهم في المستقبلِ كحالِهم في الماضي. وقرئ: {يُرَوْا} مبنيًا للمفعول مِنْ أَرى.
{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)}.
قوله: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ}: العامَّة على كسرِ القافِ ورفعِ الراءِ اسمَ فاعلٍ ورفعِه خبرًا ل (كل) الواقعِ مبتدًا. وقرأ شَيْبَةُ بفتح القافِ، وتُروَى عن نافعٍ. قال أبو حاتم: لا وجهَ لها. وقد وَجَّهها غيرُه على حَذْفِ مضافٍ، أي: وكلُّ أمرٍ ذو استقرار، أو زمانَ استقرار أو مكانَ استقرار، فجاز أن يكونَ مصدرًا، وأن يكون ظرفًا زمانيًا أو مكانيًا، قال معناه الزمخشري.
وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي بكسر القاف وجَرِّ الراء وفيها أوجهٌ، أحدُها: ولم يَذْكُرْ الزمخشريُّ غيرَه أَنْ يكونَ صفةً لأمر. ويرتفعُ {كلُّ} حينئذٍ بالعطفِ على {الساعة}، فيكونُ فاعلًا، أي: اقتربَتِ الساعةُ وكلُّ أمرٍ مستقرٍ. قال الشيخ: وهذا بعيدٌ لوجودِ الفصلِ بجملٍ ثلاثٍ، وبعيدٌ أَنْ يوجدَ مثلُ هذا التركيبِ في كلام العربِ نحو: أكلتُ خبزًا، وضربْتُ خالدًا، وإن يَجِىءْ زيدٌ أُكْرِمْه، ورَحَل إلى بني فلان، ولحمًا، فيكونُ {ولحمًا} معطوفًا على {خبزًا} بل لا يوجَدُ مثلُه في كلام العربِ. انتهى. قلت: وإذا دلَّ دليلٌ على المعنى فلا نبالي بالفواصلِ. وأين فصاحةُ القرآن من هذا التركيبِ الذي ركَّبه هو حتى يَقيسَه عليه في المنع؟
الثاني: أَنْ يكونَ {مُسْتقرٍ} خبرًا ل {كلُّ أمرٍ} وهو مرفوعٌ، إلاَّ أنه خُفِضَ على الجِوار، قاله أبو الفضل الرازي. وهذا لا يجوزُ؛ لأن الجِوارَ إنما جاء في النعتِ أو العطفِ، على خلافٍ في إثباته، كما قدَّمْتُ لك الكلامَ فيه مستوفى في سورةِ المائدة. فكيف يُقال في خبر المبتدأ: هذا ما لا يجوزُ؟ الثالث: أنَّ خبرَ المبتدأ قوله: {حكمةٌ بالغةٌ} أخبر عن كلِّ أمرٍ مستقرٍ بأنَّه حكمةٌ بالغةٌ، ويكون قوله: {ولقد جاءهم من الأنباءِ ما فيه مُزْدَجَرٌ}. جملةَ اعتراضٍ بين المبتدأ وخبرِه. الرابع: أنَّ الخبرَ مقدرٌ، فقدَّره أبو البقاء: معمولٌ به، أو أتى. وقدَّره غيرُه: بالغوه لأنَّ قبلَه {وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ}، أي: وكلُّ أمرٍ مستقرٍّ لهم في القَدَر مِن خيرٍ أو شرٍّ بالغوه.
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)}.
قوله: {مُزْدَجَرٌ}: يجوزُ أَنْ يكونَ فاعِلًا ب (فيه)؛ لأنَّ (فيه) وقع صلةً، وأَنْ يكونَ مبتدأ، و{فيه} الخبرُ. والدال بدلٌ مِنْ تاءِ الافتعال. وقد تقدَّم أنَّ تاءَ الافتعال تُقْلَبُ دالًا بعد الزاي والدال والذال؛ لأنَّ الزايَ حرفٌ مجهورٌ، والتاءَ حرفٌ مهموسٌ، فأبدلوها إلى حرفٍ مجهورٍ قريبٍ من التاءِ، وهو الدالُ. ومُزْدَجَر هنا اسمُ مصدرٍ، أي: ازْدِجار، أو اسمُ مكانٍ، أي: موضعَ ازْدِجار. وقرئ: {مُزَّجَر} بقَلْبِ تاءِ الافتعال زايًا ثم أُدْغِمَ. وزيد بن علي {مُزْجِر} اسمَ فاعلٍ من أَزْجر، أي: صار ذا زَجْر كأَعْشَبَ، أي: صار ذا عُشْبٍ.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}.
قوله: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ}: فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه بدلٌ من (ما فيه مُزْدَجر) كأنه قيل: ولقد جاءَهُمْ حكمةٌ بالغةٌ من الأنباء، وحينئذٍ يكونُ بدلَ كلٍ مِنْ كلٍ، أو بدلَ اشتمال. الثاني: أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو حكمةٌ، أي: ذلك الذي جاءهم. وقد تقدَّم أنه يجوزُ على قراءة أبي جعفرٍ وزيدٍ أَنْ يكونَ خبرًا ل {كلُّ أمرٍ مستقرٍ}. وقرئ: {حكمةً} بالنصب حالًا مِنْ (ما) قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: إن كانَتْ (ما) موصولةً ساغ لك أَنْ تَنْصِبَ (حكمةً) حالًا، فكيف تعمل إنْ كانت موصوفةً وهو الظاهرُ؟ قلت: تَخَصُّصُها بالصفةِ فيَحْسُنُ نَصْبُ الحالِ عنها. انتهى. وهو سؤال واضحٌ جدًا.
قوله: {فَمَا تُغْنِ النذر} يجوزُ في (ما) أَنْ تكونَ استفهاميةً، وتكون في محلِّ نصبٍ مفعولًا مقدمًا، أي: أيُّ شيءٍ تُغْني النذرُ؟ وأن تكون نافيةً، أي: لم تُغْنِ النذرُ شيئًا. والنُّذُرُ: جمعُ نذيرٍ المرادِ به المصدرُ أو اسمُ الفاعل، كما تقدَّم في آخر النجم.
وكُتِب {تُغْنِ} إتباعًا لِلَفْظِ الوصلِ فإنَّها ساقطةٌ لالتقاء الساكنين: قال بعضُ النحويين: وإنما حُذِفَتْ الياءُ مِنْ {تُغْني} حَمْلًا ل (ما) على (لم) فجَزَمَتْ كما تَجْزِمُ (لم). قال مكي: وهذا خطأٌ؛ لأنَّ (لم) تَنْفي الماضيَ وتَرُدُّ المستقبلَ ماضيًا، و(ما) تنفي الحالَ، فلا يجوزُ أَنْ تقعَ إحداهما موقع الأخرى لاختلافِ معنَيَيْهما.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)}.
قوله: {يَوْمَ يَدْعُ الداع}: منصوبٌ: إمَّا ب (اذْكُرْ) مضمرةً وهو أقربُها، وإليه ذهب الرُّمَّاني والزمخشري، وإمَّا ب {يَخْرُجون} بعده وإليه ذهب الزمخشريُّ أيضًا، وإمَّا بقوله (فما تُغْني)، ويكون قوله (فَتَوَلَّ عنهم) اعتراضًا، وإمَّا منصوبًا بقوله: {يَقول الكافرون} [القمر: 8] وفيه بُعْدٌ لبُعْدِه منه، وإمَّا بقوله: {فَتَوَلَّ} وهو ضعيفٌ جدًا؛ لأنَّ المعنى ليس أَمْرَه بالتوليةِ عنهم في يومِ النفخ في الصُّورِ، وإمَّا بحذفِ الخافض، أي فَتَوَلَّ عنهم إلى يوم؛ قاله الحسن. وضُعِّف من حيث اللفظُ، ومن حيث المعنى. أمَّا اللفظُ: فلأنَّ إسقاطَ الخافضِ غيرُ مُنْقاسٍ. وأمَّا المعنى: فليس تَوَلِّيه عنهم مُغَيَّا بذلك الزمان، وإمَّا ب انتظرْ مضمرًا. فهذه سبعةُ أوجهٍ في ناصب {يومَ}. وحُذِفَتْ الواوُ مِنْ {يَدْعُ} خَطًَّا اتِّباعًا للِّفْظِ، كما تقدَّم في {يُغْنِ} {وَيَمْحُ الله الباطل} [الشورى: 24] وشبهِه، والياءُ من {الداعِ}، مبالغةً في التخفيف إجراءً لأل مُجْرى ما عاقبها وهو التنوينُ فكما تُحْذَفُ الياءُ مع التنوينِ كذلك مع ما عاقَبها.
قوله: {نُّكُرٍ} العامَّةُ على ضمِّ الكاف وهو صفةٌ على فُعُل، وفُعُل في الصفات عزيزٌ، منه: أمرٌ نُكُرٌ، ورجلٌ شُلُل، وناقةٌ أُجُد، وروضةٌ أُنُفٌ، ومِشْيَةٌ سُجُحٌ. وابن كثير بسكونِ الكافِ فيُحتمل أَنْ يكونَ أصلًا، وأَنْ يكونَ مخفَّفًا مِنْ قراءة الجماعةِ. وقد تقدَّم لك هذا محرَّرًا في اليُسْر والعُسْر في المائدة. وسُمِّي الشيءُ الشديدُ نُكُرًا لأن النفوس تُنْكِره قال مالك بن عوف:
اقْدُمْ مَحاجِ إنه يومٌ نُكُرْ ** مِثْلي على مِثْلِك يَحْمي ويَكُرّْ

وقرأ زيدُ بنُ علي والجحدري وأبو قلابة: {نُكِرَ} فعلًا ماضيًا مبنيًا للمفعولِ؛ لأنَّ {نَكِرَ} يتعدى قال: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ} [هود: 70].
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}.
قوله: {خُشَّعًا}: قرأ أبو عمر والأخَوان {خاشِعًا} وباقي السبعة {خُشَّعًا}. فالقراءة الأولى جاريةٌ على اللغةِ الفُصْحى مِنْ حيث إن الفعلَ وما جرى مَجْراه إذا قُدِّمَ على الفاعلِ وُحِّد. تقول: تَخْشَع أبصارُهم ولا تقول: تَخْشَعْن أبصارُهم، وأنشد قول الشاعر:
وشَبابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهُمْ ** مِنْ إيادِ بنِ نزارِ بنِ مَعَدّْ

وقال آخر:
يَرْمي الفِجاجَ بها الرُّكبانُ معْتَرِضًا ** أعناقَ بُزَّلِها مُرْخى لها الجُدُلُ

وأمَّا الثانيةُ فجاءَتْ على لغة طَيِّىء يقولون: أكلوني البراغيث. وقد تقدَّم القول في هذا مشبعًا في المائدة والأنبياء. ومثلُه قول الآخر:
بمُطَّرِدٍ لَدْنٍ صِحاح كُعُوبُه ** وذي رَوْنَقٍ عَضْبٍ يَقُدُّ القَوانِسا

وقيل: وجمعُ التكسير في اللغة في مثل هذا أكثرُ من الإِفراد. وقرأ أُبَيٌّ وعبد الله {خاشعةً} على تَخْشَعُ هي. وقال الزمخشري: و{خُشَّعًا} على: تخشَعْن أبصارهم، وهي لغةُ مَنْ يقول: أكلوني البراغيث وهم طيىء. قال الشيخ: ولا يَجْري جمعُ التكسيرِ مَجْرى جمعِ السلامةِ، فيكون على تلك اللغةِ النادرِ القليلةِ. وقد نَصَّ سيبويه على أنَّ جمعَ التكسيرِ في كلام العربِ أكثرُ، فكيف يكونُ أكثرَ، ويكون على تلك اللغةِ النادرةِ القليلة؟ وكذا قال الفراء حين ذكر الإِفراد مذكرًا ومؤنثًا وجمعَ التكسيرِ، قال: لأنَّ الصفةَ متى تَقَدَّمَتْ على الجماعة جاز فيها جميعُ ذلك، والجمعُ موافِقٌ لِلَفْظِها فكان أشبهَ. قال الشيخ: وإنما يُخَرَّجُ على تلك اللغةِ إذا كان الجمعُ جَمْعَ سلامةٍ نحو: (مَرَرْتُ بقومٍ كريمين آباؤُهم) والزمخشريُّ قاسَ جَمْعَ التكسيرِ على جَمْعِ السلامةِ وهو قياسٌ فاسدٌ يَرُدُّه النَّقْلُ عن العربِ: أنَّ جَمْعَ التكسيرِ أجودُ من الإِفرادِ، كما ذكره سيبويهِ، ودَلَّ عليه كلامُ الفراء. قلت: قد خَرَّج الناسُ قول امرىء القيس:
وُقوفًا بها صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ ** يقولون لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَمَّلِ

على أنَّ (صحبي) فاعل ب (وقوفًا) وهو جمعُ واقِف في أحدِ القولين في (وقوفًا). وفي انتصابِ خاشعًا وخُشَّعًا وخاشعةً أوجهٌ، أحدُها: أنه مفعولٌ به وناصبُه {يَدْعُ الداعِ} وهو في الحقيقةِ لموصوفٍ محذوفٍ تقديرهُ: فريقًا خاشعًا، أو فوجًا خاشعًا. والثاني: أنه حالٌ مِنْ فاعل {يَخْرُجون} المتأخرِ عنه. ولَمَّا كان العاملُ متصرِّفًا جاز تقدُّمُ الحالِ عليه، وهو رَدٌّ على الجرميِّ حيث زعم أنه لا يجوزُ. ورُدَّ عليه أيضًا بقول العرب: (شَتَّى تَؤُوب الحَلَبَة)، ف (شتى) حالٌ من (الحلَبَة) وقال الشاعر:
سَريعًا يهون الصَّعْبُ عند أُولي النُّهى ** إذا برجاءٍ صادقٍ قابلوا البأسا

الثالث: أنه حالٌ من الضمير في {عنهم} ولم يذكر مكيٌّ غيره.
الرابع: أنه حالٌ مِنْ مفعولَ {يَدْعُو} المحذوفِ تقديره: يومَ يَدْعوهم الداعي خُشَّعًا، فالعامل فيها {يَدْعو}، قاله أبو البقاء. وهو تكلُّفُ ما لا حاجةَ إليه.
وارتفع {أبصارهم} على وجهين: إمَّا الفاعلية بالصفةِ قبلَه وهو الظاهرُ، وإمَّا على البدلِ من الضمير المستتر في {خُشَّعًا} لأنَّ التقديرَ: خُشَّعًا هم. وهذا إنما يتأتَّى على قراءة {خُشَّعًا} فقط.
وقرئ: {خُشَّعٌ أبصارهم} على أنَّ {خشعًا} خبرٌ مقدمٌ و{أبصارُهُمْ} مبتدأ. والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ وفيه الخلافُ المذكورُ مِنْ قبلُ كقوله:
وَجَدْتُه حاضِراه الجودُ والكرمُ

قوله: {يَخْرُجُونَ} يجوزُ أنْ يكونَ حالًا من الضمير في {أبصارُهم}، وأنْ يكونَ مستأنفًا. والأَجْداث: القبورُ. وقد تقَدَّم ذكرُه في سورةِ يس.
قوله: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ} هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ حالًا مِنْ فاعلِ {يَخْرُجون} أو مستأنفةً. و {مُهْطِعين} حالٌ أيضًا مِنْ اسم كان أو مِنْ فاعلِ {يَخْرُجون} عند مَنْ يرى تعدُّدَ الحال. قال أبو البقاء: و{مُهْطِعين} حالٌ من الضميرِ في {مُنْتَشِرٌ} عند قوم. وهو بعيدٌ؛ لأنَّ الضميرَ في {مُنتشِر} للجراد، وإنما هو حالٌ مِنْ فاعل {يَخْرُجون} أو من الضمير المحذوف. انتهى. وهو اعتراضٌ حسنٌ على هذا القول.
والإِهْطاعُ: الإِسراعُ وأُنْشِد:
بدِجلَةَ دارُهُمْ ولقد أَرَاهُمْ ** بدِجْلةَ مُهْطِعين إلى السَّماع

وقيل: الإِسراعُ مع مَدِّ العُنُق. وقيل: النظر. وأنشد:
تَعَبَّدَني نِمْرُ بنُ سَعْدٍ وقد أُرَى ** ونِمْرُ بنُ سَعْدٍ لي مُطيعٌ ومُهْطِعُ

وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادةِ في سورة إبراهيم. قوله: {يَقول الكافرون} قال أبو البقاء: حالٌ من الضمير في {مُهْطعين}. وفيه نظرٌ من حيث خلوُّ الجملةِ مِنْ رابطٍ يَرْبُطُها بذي الحال. وقد يُجابُ عنه: بأنَّ {الكافرون} هم الضميرُ في المعنى، فيكونُ من باب الربطِ بالاسمِ الظاهر عند مَنْ يرى ذلك، كأنه قيل: يقولون هذا. وإنما أَبْرزهم تشنيعًا عليهم بهذه الصفةِ القبيحةِ.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقالوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)}.
قوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ}: مفعولُه محذوفٌ، أي: كَذَّبَتِ الرسلَ؛ لأنهم لَمَّا كذَّبوا نوحًا عليه السلام فقد كَذَّبوا جميعَ الرسل. ولا يجوزُ أَنْ تكونَ المسألةُ من باب التنازع؛ إذ لو كان منه لكان التقدير: كَذَّبَتْ قبلَهم قومُ نوحٍ عبدَنا فكذَّبوه، ولو لُفِظ بهذا لكان تأكيدًا، إذ لم يُفِدْ غيرَ الأولِ. وشرطُ التنازعِ أَنْ لا يكونَ الثاني تأكيدًا، لذلك منعوا أَنْ يكونَ قوله: